أنا فى انتظارك.....
(تحت الكتابة : ابن قرش)
تثاءب النادل عثمان طويلا و هو يزيح الغطاء عن جسده
بعد نومه. و جلس فى الفراش معتمدا بذراعيه على ساقيه ، و أخذ يفكر ما وقع بالأمس
فى المحطّة. التقى النادل بشيخ عجوز وسط المحطة و هو يلبس لباس الأبيض المرهَق. و
كان النادل لم يلتقى به من قبل. فجأةً قرّب الشيخ العجوز النادلَ و هو فى أثناء
انتظار الحافلة راكبا إلى مكان العمل. لقد شغل النادل فى المطعم أهل القبطيّ سنوات
ولكنه لم ينال أجرة كبيرة من عمله. ثم سأل الشيخ إليه بصوت هدوء:
-
ماذا
تنتظر هنا يا شباب ؟
التفتَ النادلُ نحوه باهتمام قائلا :
-
خيرا..
أنتظر الحافلة لذهاب إلى مكان العمل يا شيخ الكريم .
-
فماذا
تـــؤجّــــل فى هذه الحياة القصيرة يا نصير !
فصار النادلُ يفكّر و تجلت فى عينيه نظرة فارغة من
كل معنى ثم أجاب سوءال الشيخ العجوز :
-
لستُ
أدرى يا شيخ ما الذى أنتظر فى حياتى ، كنتُ أشتغل طول حياتى فى المطعم لأهل
القبطيّ. لا غير. و كنتُ مملا جدا بهذه الحياة.
ضحك الشيخ العجوز ثم قال و سأل :
-
حياة
غريبة .. وانت واقف كذا ليـــــه ؟؟ هل هناك السعادة و الفرح فى حياتك يا فنديـــــــم
؟
-
كلاّ
..
-
هل
تعرف أنت بأن هذه المحطّة كمثل الدنيا نعيش فيها الآن ؟ هذه المحطة هي مكان
للإنتظار الحافلة و أما الدنيا ؟ للإنتظار أيه يا فنديــــــــم ؟ الدنيا للإنتظار
"قرار" يا فنديــــــــم ..
-
بتقصد
أيه يا شيخ ؟ قصدك ؟ أيه بالضبط ؟
-
خذ
الحكاية إيـــــــــــزي يا فنديـــــــــم ! نحن الآن فى حالة الإنتظار .. كل
الناس فى هذه الدنيا ينتظر مجيءَ القرار من خالق و ملك الحياة .. و كأن "القرار"
يقول لنا : "انتظرنى فى هذه الدنيا بالعمل و العبادة" ..
-
أيوه
بمعرفتك يا شيخ .. إن الحياة هي المحطة ، كلنا ننتظر فيها بالصبر فى العمل و
العبادة . لا حياة في الدنيا تدوم..
-
كلام
زين يا زين الزين .. كلنا منتظرون .. كلنا عابدون .. كلنا عاملون فى الدنيا .. يا
فنديــــم .. ليست غايتنا السعادة و الفرح ، كلا هما نسيم لطيف فى الحياة ، أمّا
الحــــــزن هو العاصفة المطرية فى الحياة . لا تخف بالحزن ! سوف يأتيك نسيم
السعادة و الفرح بعد عاصفة الحزن .. إصبر و رابط برحمة الله يا نصير !
بين حين و حين أتت الحافلة أمام النادل و الشيخ
الكريم. لقد انتهت المحادثة القصيرة بينهما .
ثم ركب النادل الحافلة راكبا إلى مكان العمل و كان الشيخ ما زال يقف فى
المحطة . دائما هو يتبسم و معه دخان يشربه نعيما و فرحانا .
كان النادل عثمان ما زال يفكر طول اليوم ما المرد
بلقائه مع الشيخ العجوز فى المحطة بالأمس. و كان يتسائل فى ذهنه لماذا الناس ينتظر
و ينتظر ؟ هل الناس مخلوق لأجل الإنتظار. متى سوف يأتى نسيم السعادة الحقيقية
البقائية ؟ يقول فى ذهن النادل "أنتظرك يا شيخ ! أنتظرك يا نسيم السعادة
الأبدية الأزلية ! أنا فى انتظارك يا ملك الحياة يا رحمان يا رحيم .... السعادة
الأزلية هي اللقاء بربنّا الجليل ...
(Karanggayam 12 April 2012)
******